في عالم تصميم تجربة المستخدم (User Experience – UX) وتصميم الواجهات (User Interface – UI)، يأتي الأهمية الكبيرة لتوثيق وتقديم النصوص بطريقة تعود بالفائدة على المصممين والمستخدمين على حد سواء. ليس المقصود هنا الحديث عن النصوص التوضيحية فقط، بل حتى تلك النصوص الصغيرة التي تظهر هنا وهناك داخل التطبيقات والمواقع، والتي تعرف بالـ”مايكروكوبي” (Microcopy).
في هذا المقال، سنركز على العناصر الأساسية التي تحتاج لتوثيقها وتقديمها بطريقة احترافية، من نماذج المحتوى إلى التعليقات والقرارات الرئيسية. هدفنا هو توجيهك نحو إعداد وثائق تجعل عملك ليس فقط مُنظمًا ولكن أيضًا سهل الوصول إليه والاستفادة منه في المستقبل.
أهم نقطة تحتاج إلى التركيز عليها هي البدء بالتوثيق من اليوم الأول. لا تنتظر حتى تصبح في مراحل متقدمة من المشروع لتبدأ في جمع وتوثيق المعلومات، فذلك قد يعقد الأمور بالنسبة لك ولفريقك.
نماذج المحتوى (Content Mockups)
نماذج المحتوى هي عبارة عن تخطيطات أولية تُظهر النصوص والعناصر المرئية في الواجهة قبل البدء بالتطوير الفعلي. تعتبر نماذج المحتوى من الأدوات الهامة لأي مصمم تجربة مستخدم، حيث تساعد في توضيح الفكرة وتحسين الاتفاق بين الفريق.
أهمية نماذج المحتوى:
- الوضوح: يُسهل تقديم نموذج للمحتوى فهم ما سيظهر على الشاشة وكيفية تفاعل المستخدمين معه.
- التنسيق: يُمكن لنماذج المحتوى أن تكون جسرًا بين الفريق التقني والفريق التصميمي، مما يُساعد في الحفاظ على التنسيق والاتفاق.
- الفعالية: عندما تُظهر للفريق نموذجًا مُبدئيًا للمحتوى، يصبح من الأسهل التعديل والتحسين قبل البدء بعملية التطوير، مما يُوفر وقت ومجهود.
كيفية إعداد نموذج للمحتوى:
- تحديد العناصر: قم بتحديد العناصر التي ستظهر على الشاشة، مثل النصوص، الأزرار، والصور.
- التخطيط: استخدم أدوات مثل “Adobe XD” أو “Sketch” لإنشاء تخطيط أولي يُظهر التفاعلات والانتقالات بين الشاشات.
- المراجعة والتعديل: قم بمراجعة النموذج مع الفريق واحصل على رأيهم، ثم قم بالتعديلات اللازمة قبل البدء بالتطوير.
إذا كان لديك مشروع تطبيق موبايل، مثلاً، فإن نموذج المحتوى قد يكون عبارة عن سلسلة من الشاشات التي تُظهر كيف سيتفاعل المستخدم من البداية وحتى النهاية. هذه النماذج تعطي الفريق فكرة واضحة عن كيفية عمل التطبيق وما الذي يحتاج لتحسينه.
تحديد النمط وصوت العلامة التجارية (Define Your Style and Brand Voice)
إحدى الجوانب الهامة في تصميم تجربة المستخدم والواجهة هي القدرة على تحديد النمط وصوت العلامة التجارية بوضوح. إن هذا الجانب يتجاوز مجرد الألوان والشعارات ليشمل اللغة والنصوص التي تُستخدم في التطبيق أو الموقع الإلكتروني.
أهمية تحديد النمط وصوت العلامة التجارية:
- التمييز: النمط والصوت يُساهمان في تمييز علامتك التجارية عن الأخرى.
- الثقة: تقديم صوت متسق عبر جميع نقاط الاتصال يُبني الثقة مع المستخدمين.
- الاتساق: يُسهل النمط والصوت المُتسقان عملية البناء والتوسيع للمنتجات في المستقبل.
خطوات لتحديد النمط وصوت العلامة التجارية:
- البحث والتحليل: قم بإجراء بحوث لفهم جمهورك وما يهمهم.
- إنشاء دليل النمط: قم بإنشاء دليل يُحدد قواعد النمط، مثل الخطوط والألوان واللغة.
- صوت العلامة: حدد الصوت الذي ترغب في تقديمه، هل هو صوت محترف، صديقي، أو مُرح؟
- التطبيق والمراجعة: تأكد من تطبيق هذا النمط والصوت في جميع مرحل التصميم والتطوير، ولا تتردد في إجراء مراجعات دورية.
يُمكن لدليل النمط (Style Guide) أن يكون شريكك الأمثل في هذا السياق. إنه يُمكن أن يحتوي على كل التفاصيل من نوع الخط إلى لون الروابط التفاعلية في الموقع أو التطبيق.
استخدام الأمثلة بكثرة (Use Plenty of Examples)
لا شك أن النصوص الوصفية مهمة، لكن لا شيء يُضيف الوضوح والتفهم كالأمثلة العملية. إذا كنت تقدم مفهوماً جديداً أو تُوضح خطوة معقدة، فإن الأمثلة تُسهل على المستخدمين الفهم.
أهمية استخدام الأمثلة:
- التوضيح: تُسهل الأمثلة على المستخدمين فهم النقاط الأساسية بشكل أفضل.
- الإلهام: يُمكن للأمثلة الجيدة أن تُلهم القراء وتُعطيهم أفكاراً لمشاريعهم الخاصة.
- الدقة: تُبين الأمثلة كيفية تطبيق مفاهيم نظرية في سياقات حقيقية.
كيفية اختيار وتقديم الأمثلة:
- الصلة: اختر أمثلة تتعلق بشكل مباشر بالموضوع الذي تناقشه.
- البساطة والوضوح: استخدم لغة بسيطة ومباشرة لشرح الأمثلة.
- التنوع: قدم مجموعة متنوعة من الأمثلة لكي تُظهر كيف يُمكن تطبيق المفهوم في سياقات مختلفة.
لنفترض، مثلاً، أنك تُريد شرح أهمية استخدام الأزرار التفاعلية بطريقة تُسهل على المستخدم الفهم. بدلاً من القول “استخدم أزرار واضحة وبسيطة”، يُمكنك تقديم مثال عملي يُظهر تصميم زر سيئ وآخر جيد، مع شرح للفروق بينهما.
لا تنسَ النصوص الخفية (Don’t Forget the Hidden Text)
النصوص الخفية، مثل التسميات الوصفية (Alt Text) للصور والنصوص الإرشادية للنماذج، هي جزء لا يُعد ولا يُحصى من تصميم تجربة المستخدم. لا يتم عرض هذه النصوص بشكل مباشر على الواجهة، لكنها تُحسن من الوصولية وتُسهل على المستخدمين الفهم.
لماذا هي مهمة:
- الوصولية: تُمكن النصوص الخفية مستخدمي القراء الشاشة من فهم المحتوى.
- SEO (تحسين محركات البحث): تُساعد في تحسين ترتيب الموقع في نتائج البحث.
- التوجيه الأفضل: تُساعد في توجيه المستخدم حول كيفية استخدام الموقع أو التطبيق.
كيفية تنفيذها:
- فحص التصميم: تأكد من وجود مكان للنصوص الخفية في تصميم الواجهة.
- الدقة: النصوص يجب أن تكون دقيقة وتُمثل المحتوى بشكل صحيح.
- اختبار: أجرِ اختبارات للتأكد من أن النصوص الخفية تُظهر كما هو مُخطط لها.
على سبيل المثال، إذا كان لديك صورة تُظهر شخصًا يستخدم تطبيقًا على الهاتف، فإن النص البديل يمكن أن يكون شيئًا مثل “شخص يستخدم تطبيق XYZ على هاتفه الذكي”.
جعل الميكروكوبي قابل لإعادة الاستخدام (Make Your Microcopy Reusable)
الميكروكوبي (Microcopy) هو النص القصير الذي يُعطي المستخدمين توجيهات أو يُوفر لهم معلومات عند الحاجة. الفكرة هنا هو تصميم هذه النصوص بطريقة تُمكن من استخدامها في مواقع مختلفة دون الحاجة لإعادة الكتابة.
لماذا هو مهم:
- الكفاءة: توفير الوقت والجهد عند تصميم واجهات متعددة.
- الاتساق: يُساعد في تحقيق تجربة مُتجانسة عبر المنصات المختلفة.
- الدقة: تقليل خطر الأخطاء عند تطبيق نفس النص في سياقات مختلفة.
كيفية التنفيذ:
- التخطيط المُسبق: قم بإعداد مكتبة للميكروكوبي تُغطي الحالات الشائعة.
- المراجعة والتحديث: يجب مراجعة المكتبة بانتظام للتأكد من أنها تُلبي الحاجات الحالية.
- الاختبار: استخدم الأمثلة العملية لاختبار كيفية عمل الميكروكوبي في سياقات مختلفة.
لنفترض أن لديك رسالة خطأ تظهر عند فشل عملية الدفع، بدلاً من كتابة رسالة خطأ مُخصصة لكل سيناريو، يُمكنك إعداد رسالة عامة مثل “عذرًا، حدث خطأ أثناء معالجة عملية الدفع. يرجى المحاولة مرة أخرى.”
تضمين المعلومات الخلفية (Include Background Information)
في بعض الحالات، تحتاج إلى تقديم بعض المعلومات الخلفية للمستخدمين لتعزيز فهمهم للمحتوى. هذا يُساعد على تقديم سياق يُمكن أن يُحسن من الفهم والتفاعل.
لماذا هو مهم:
- التعقيد: بعض المواضيع قد تكون معقدة وتحتاج إلى شرح إضافي.
- الربط: يُمكن للمعلومات الخلفية أن تُقدم رؤية عن كيفية تطبيق الأمور في العالم الحقيقي.
- الثقة: تُقدم للقراء الثقة بأنك تفهم الموضوع بعمق.
كيفية التنفيذ:
- التحليل: قم بتحليل الجمهور المستهدف واحتياجاتهم المعرفية.
- الاختيار: اختر المعلومات الأكثر صلة التي تحتاج إلى توضيح.
- التكامل: دمج هذه المعلومات بطريقة طبيعية وغير مُقاطعة داخل المحتوى.
على سبيل المثال، إذا كنت تتحدث عن أهمية الاستجابة السريعة في تصميم واجهات المستخدم، يمكنك إضافة معلومات عن الأبحاث التي تُظهر كم تأثير الاستجابة البطيئة على معدلات التحويل.
توثيق التعليقات والقرارات الرئيسية (Document Feedback and Key Decisions)
التوثيق ليس فقط للمحتوى الذي تنتجه، بل يجب أيضاً أن يُغطي التعليقات والقرارات الرئيسية التي تؤثر على محتوى تجربة المستخدم.
لماذا هو مهم:
- المراجعة: يُساعد في فحص وتقييم الخطوات التي اتخذتها.
- التحسين المستمر: يُسهل عملية التحسين والتعديل في المستقبل.
- التواصل: يُسهل عملية التواصل بين فرق مُتعددة.
كيفية التنفيذ:
- التوثيق الفوري: توثيق القرارات والتعليقات فور اتخاذها أو استقبالها.
- الأمانة: كن دقيقاً وشاملاً في التوثيق، حتى لو كان الأمر يتعلق بتعليقات سلبية.
- الوصولية: جعل هذه التوثيقات سهلة الوصول للجميع ضمن الفريق.
على سبيل المثال، إذا تلقيت تعليقاً من فريق التسويق بشأن تغيير نص الدعوة للعمل (Call to Action), قم بتوثيق هذا التعليق بالإضافة إلى السبب الذي جعلك تقبله أو ترفضه.
التوثيق أثناء العمل (Document As You Go)
عند العمل على مشروع تجربة المستخدم، من الأهمية بمكان أن تُوثق جميع الخطوات والعمليات بما في ذلك المحتوى والقرارات أثناء تقدم العمل.
لماذا هو مهم:
- توفير الوقت: التوثيق الفوري يُقلل من الحاجة للعودة وإعادة البحث في المعلومات.
- الدقة: التوثيق الفوري يُحافظ على دقة وصدقية المعلومات.
- الفعالية: يُسهل عملية التدقيق والمراجعة في المستقبل.
كيفية التنفيذ:
- الأدوات: استخدم أدوات تُفضلها لتسهيل عملية التوثيق، مثل محررات النصوص أو البرمجيات المُخصصة.
- الروتين: جعل التوثيق جزءاً من روتين العمل اليومي.
- المراجعة الدورية: خصص وقتاً لمراجعة التوثيقات وتحديثها.
على سبيل المثال، أثناء عملية تصميم واجهة مستخدم جديدة، يمكنك توثيق التفاعلات الأولية للمستخدمين وأي تعديلات تم إجراؤها بناءً على هذه التفاعلات.
جعل التوثيق سهل الوصول (Make Documentation Easily Accessible)
بما أن التوثيق هو جزء أساسي من تجربة المستخدم، يجب أن يكون سهل الوصول للجميع داخل الفريق وحتى للعملاء إذا كان ذلك ضروريًا.
لماذا هو مهم:
- التعاون: يُسهل عملية التعاون بين أعضاء الفريق المختلفين.
- الفعالية: يُسرع من عملية البحث والوصول للمعلومات المطلوبة.
- الشفافية: يُعزز من الثقة بين الفريق والعملاء.
كيفية التنفيذ:
- التخزين السحابي: استخدم حلول التخزين السحابي لسهولة الوصول.
- الفهرسة: قم بفهرسة المعلومات بطريقة منهجية.
- الأمان: ضمان وصول فقط للأشخاص المُخولين.
على سبيل المثال، يمكنك استخدام Google Drive أو Dropbox لتخزين المستندات ومشاركتها بين أعضاء الفريق، مع استخدام أذونات مُحددة للوصول.
الختام
في هذا المقال، تعرفنا على أهمية التوثيق في تجربة المستخدم وكيف يمكن لهذا العملية أن تُضيف قيمة عالية للمشروع. تأكد من التوثيق بشكل جيد للمحتوى، القرارات الرئيسية، وتقديم معلومات سهلة الوصول للجميع. هذه ليست مجرد مهام ثانوية، بل هي جزء لا يتجزأ من تصميم تجربة مستخدم ناجحة.
الأسئلة المتكررة (FAQ)
ما هي أهمية التوثيق في تجربة المستخدم؟
التوثيق يُساعد في الفحص، التحسين المستمر، والتواصل بين الفرق.
متى يجب عليّ التوثيق؟
يفضل التوثيق أثناء العملية نفسها للحفاظ على الدقة والفعالية.
كيف يمكن جعل التوثيق سهل الوصول؟
يُمكن استخدام حلول التخزين السحابي وأدوات الفهرسة.
هل يجب توثيق التعليقات والقرارات الرئيسية؟
نعم، يُعتبر ذلك جزءًا مهمًا من عملية التوثيق.